رفقاً بالقوارير فإن من سنن الله عز وجل الكونية الشرعية ، التفضيل بين خلقه في الشرف والمنزلة ، والتمييز بين الأجناس في الوظائف و الأعمال ، " فكل ميسر لما خلق له " . [صحيح البخاري: 4949] فوظائف الحيوان تختلف عن وظائف النبات ، ووظائف الذكور تباين وظائف الإناث . *وقد ميز الله بين ذكور بني آدم وبين إناثهم ، وخص كلا منهما بخصائص ووظائف ، ليحصل الميزان الكوني الذي تستقيم به حياة الإنسان وعمارة الأرض . *و لا يماري أحد من العقلاء ، في أفضلية الأصل الذكوري ، وهو آدم عليه السلام ، على حواء ، فإنها خلقت منه ، وشرف هو عليها بأن سواه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وعلمه الأسماء كلها ، وأسجد له ملائكته ، واصطفاه بالنبوة والتكليم . وتفضيل آدم عليه السلام على حواء ، مما اتفقت عليه كل الشرائع ، ولهذا فإن الناس يفزعون إليه للشفاعة يوم القيامة ، دون أمهم حواء . ومن ثم ، فإن الفرع تبع للأصل في التفضيل ، كما سيأتي عليه التدليل . النساء شقائق الرجال و لا ريب أن بين الذكور والإناث طبائع متفقة ، في السمات البشرية العامة ، في الحياة ، والولادة ، والنشأة ، والنمو ، والصحة ، والمرض ، والموت ...الخ . و بينهما اتفاق أيضا ، في عموم التكاليف الشرعية ، في العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والحدود ، والأوامر و النواهي ، وفي الثواب والعقاب المترتب على ذلك في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } . [النحل: 97] وقال سبحانه { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ..}إلى قوله { أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما }. [الأحزاب: 35] وقال صلى الله عليه وسلم " النساء شقائق الرجال". [رواه أبوداود: 236 والترمذي: 113]. فهذه النصوص ونحوها ، تدل على الاتفاق في الأحكام العامة بين الرجال والنساء و ليس الذكر كالأنثى وبينهما افتراق في بعض الطبائع والقدرات : العقلية والبدنية والنفسية ، وافتراق في بعض الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات وغيرها . وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على وجود ذلك الافتراق في الطبع والشرع . * فجعلت شهادة المرأة على نصف شهادة الرجل . قال تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } . [البقرة: 282] فضاعف في نصاب الشهادة في حق المرأة ، وعلل الحكم بلفظ صريح ، يدل على الاختلاف الطبعي الجبلي ، وهو نقصان العقل . وقد أكده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " ما رأيت من ناقصات عقل و دين أغلب لذي لب منكن " ، ثم فسر نقصان عقلها بالشهادة ، ونقصان دينها بتركها الصلاة والصيام أيام حيضها . رواه مسلم [ 79 ] . فنص الحديث على الاختلاف الطبعي والشرعي بينهما . *وقال سبحانه { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى } الآية . [ال عمران: 36] قال ابن جرير في تفسيره < لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها ، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة ، لما يعتريها من الحيض والنفاس .. > . ثم روى بإسناده عن عكرمة قال < .. ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال > . وقال القرطبي < يعني أن الأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة ، قيل : لما يصيبها من الحيض والأذى . وقيل : لا تصلح لمخالطة الرجال > . وقال أيضا < فلما رأته _ أي الولد _ أنثى لا تصلح ، وأنها عورة ، اعتذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدته فيها > . انتهى . قال سمير : والآية أصرح دليل وأبينه على التفريق بين الرجل و المرأة ، وأن ذلك متقرر في الفطرة ، وفي الشرائع السابقة ، وأن دعوى المطالبة بالمساواة بينهما ، التي يتزعمها الجهال في هذا الزمان ، ظاهرة الكذب والفساد والشذوذ ! * وقال تعالى { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله } . [النساء: 32] ذكر ابن كثير أنها نزلت لقول أم سلمة " يغزو الرجال ولا نغزوا ، ولنا نصف الميراث " . [معرفة السنن والآثار للبيهقي] ثم قال < والمعنى : إن التمني لا يجدي شيئا فإن هذا قدر محتوم ، ولكن سلوا الله من فضله وإحسانه ، فإنه كريم وهاب > . انتهى باختصار . * وقد أكد الله تعالى ذلك التفضيل والتمييز ، بقوله { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } . [النساء: 34] قال ابن كثير < والمعنى : أن الرجل قيم على المرأة ، فهو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ، و مؤدبها إذا اعوجت ، وذلك لأن الرجال أفضل من النساء ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك الملك الأعظم ، ويلحق به منصب القضاء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، لما بلغه أن ابنة كسرى تقلدت الحكم ، " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " . [ البخاري 4425 ] . ولهذا فإن الله تعالى أوجب على المرأة طاعة زوجها ، وحرم عليها معصيته في المعروف . وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في طاعة الزوج والترهيب من معصيته ، وهي مشهورة > . انتهى باختصار . *و أكد الله تعالى أيضا ذلك التفضيل بقوله { وللرجال عليهن درجة }. [البقرة: 228] قال ابن كثير < أي : في الفضيلة ، وفي الخلق ، والخلق ، والمنزلة ، وطاعة الأمر ، والإنفاق ، والقيام بالمصالح ، والفضل في الدنيا والآخرة .. > انتهى . وقال ابن القيم < إن مصلحة العبادات البدنية ، ومصلحة العقوبات ، الرجال والنساء مشتركون فيها ، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر ، فلا يليق التفريق بينهما . نعم ، فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق ، وهو الجمعة والجماعة ، فخص وجوبهما بالرجال دون النساء ، لأنهن لسن من أهل "البروز" و "مخالطة" الرجال . وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد ، التي ليس الإناث من أهلها ، وسوت بينهما في وجوب الحج ، لاحتياج النوعين إلى مصلحته ، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة .. وقد فضل الله الرجال على النساء في العقول والفهم والحفظ والتمييز ، فلا تقوم المرأة في ذلك مقام الرجل .. وأما الدية ، فلما كانت المرأة أنقص من الرجل ، والرجل أنفع منها ، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض وعمل الصنائع ، التي لا تتم مصالح العالم إلا بها ، والذب عن الدنيا والدين ، لم تكن قيمتهما مع ذلك متساوية .. وأما الميراث ، فحكمة التفضيل فيه ظاهرة ، فإن الذكر أحوج إلى المال من الأنثى ، لأن الرجال قوامون على النساء ، والذكر أنفع للميت في حياته من الأنثى .. وأما العقيقة فأمر التفضيل فيها تابع لشرف الذكر ، وما ميزه الله به على الأنثى ، ولما كانت النعمة به على الوالد أتم ، والسرور والفرحة به أكمل كان الشكران عليه أكثر ، فإنه كلما كثرت النعمة ، كان شكرها أكثر > . انتهى باختصار ، من إعلام الموقعين [ 2 / 149 _ 150 ] . والأدلة من النقل والعقل على تفضيل الرجل على المرأة ، وتخصيصه بأحكام تميزه عنها ، أكثر من أن تحصر . بيد أن ذلك التفضيل والتخصيص ، وتلك القوامة ، يقابلها واجبات وتبعات على الرجل تجاه المرأة . الوصاية بالنساء فقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة على الوصاية بالنساء ، وحسن معاملتهن ، والإحسان إليهن ، والرفق بهن ، ومن ذلك : * قول الله تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } . [البقرة: 228] * وقوله { وعاشروهن بالمعروف } . [النساء: 19] * وقوله { ولا تضاروهن } . [الطلاق: 6] * وقوله { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } . [النساء: 34] والآيات في سور : البقرة ، و النساء والطلاق ، في الوصاية بهن معلومة . * وفي السنة كذلك ، ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم" استوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن خلقن من ضلع ، وإن أعوج شيئ في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا ". رواه البخاري [ 5186 ] و مسلم [ 1468 ] . قال النووي < وفي هذا الحديث ملاطفة النساء ، والإحسان إليهن ، والصبر على عوج أخلاقهن ، واحتمال ضعف عقولهن ، وكراهة طلاقهن بلا سبب > . [ ص 920 ] . وقال الحافظ في الفتح [ 9 / 254 ] < فيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن ، والصبر على عوجهن ، وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن >. *وقد وصى بهن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم ، وأمام ذلك الجمع الغفير ، في خطبة يوم عرفة في حجة الوداع ، حيث قال " فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه .. " رواه مسلم [ 1218 ] . " فائدة " ذكر ابن الأثير في جامع الأصول [ 3 / 474 ] في شرح الجملة الأخيرة ما نصه < معناه : أن لا يأذن لأحد من الرجال أن يتحدث إليهن ، وكان الحديث من الرجال إلى النساء من عادات العرب ، لا يرون ذلك عيبا ، ولا يعدونه ريبة ، إلى أن نزلت آية الحجاب .. > . انتهى . وحكى النووي نحوه عن المازري والقاضي عياض . [ ص 775 ] . قال سمير : فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية الجامعة بذكر حق النساء على الرجال ، وذكرهم بـ "أمانة الله" و "كلمته" ، ولهما مدلولهما العظيم في التحذير من ظلمهن أو الإضرار بهن . ثم ثنى بذكر حق الرجال على النساء، ومنه : ترك "الاختلاط" بالرجال الأجانب . *وقال صلى الله عليه وسلم " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهله " . رواه الترمذي [ 3892 ] . * وقال " لا تضربوا إماء الله " . رواه أبو داود [ 2146 ] . * وقال " لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا ، رضي منها آخر " . رواه مسلم [ 1469 ] . *ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن حق الزوجة ، قال " أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت " . رواه أبوداود [ 2142 ] . درء الفتنة عن النسوة ومن أعظم الوصاية بالنساء ، درء الفتنة عنهن . *وقد علل حكم الحجاب ، بأنه أطهر لقلوبهن ، كما نصت عليه الآية . * وأمرن بغض البصر عن الرجال ، خوفا عليهن من الفتنة بهم . يدل عليه : قصة الفضل بن عباس ، لما كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج ، و طفق ينظر إلى بعض النساء " فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل .. " الحديث . رواه مسلم [ 1218 ] . قال النووي < فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات ، وغضهن عن الرجال الأجانب ، وهذا معنى قوله "وكان أبيض وسيما حسن الشعر" ، يعني أنه بصفة من تفتتن النساء به لحسنه ، وفي رواية الترمذي [ 885 ] وغيره في هذا الحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم لوى عنق الفضل ، فقال له العباس : لويت عنق ابن عمك ! قال : رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما " ، فهذا يدل على أن وضعه صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل كان لدفع الفتنة عنه وعنها .. > انتهى . [ ص 777 ] . *و قد أمرن بالقرار في البيوت ، والمباعدة عن الرجال ما أمكن ، حتى في الصلاة في المساجد ، صيانة لهن ، وخوفا عليهن من الفتنة ، لاشتراكهن والرجال في العلة ، فإن الفطرة قد جبلت على ميل كل جنس للآخر ، بل إنهن أشد ضعفا ، وأسرع فتنة ، وأقل صبرا من الرجال . * ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لأنجشة ، وكان يحدو في السفر ، وكان صوته جميلا " يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير " . رواه البخاري [ 6149 ] ومسلم [ 2323 ] . قال النووي < معناه أن أنجشة كان حسن الصوت ، وكان يحدو بهن و ينشد شيئا من القريض والرجز ، وما فيه تشبيب ، فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه ، فأمره بالكف عن ذلك .. > . [ ص 1431 ] . ونقل الحافظ في الفتح [ 10/ 545 ] عن الشراح قولين في معنى ذلك ، وأنه : إما أن يكون صيانة لهن عن السقوط ، لإسراع الإبل حين سماعها حداء أنجشة ، وإما خوفا عليهن من الافتتان بصوته الجميل . ثم قال الحافظ < والراجح عند البخاري الثاني > . وقال ابن الأثير < شبههن بالقوارير لأنه أقل شيئ يؤثر فيهن ، كما أن أقل شيئ من الحداء والغناء يؤثر في النساء .>. جامع الأصول [ 5 / 173 ]. قال سمير : كان أنجشة عبدا أسود ، ولكن صوته كان جميلا بالحداء والغناء ، فخاف النبي صلى الله عليه وسلم على النساء من الافتتان بصوته ، كما خاف على النساء من الافتتان بحسن الفضل بن عباس ، فغطى وجهه ، ولوى عنقه ! واليوم يطلع علينا الناعقون من دعاة الفساد و الفتنة ، يريدون من الفتاة الشابة ! أن تخالط الرجال والشباب ! في كل موطن ، ويزعمون أنها محصنة من الوقوع في الفتنة ، وكأن نساء هذا الزمان أتقى وأنقى من نساء عصر النبوة ! للعقلاء .. فقط هذا الدين العظيم دين عدل ورحمة ، وعقل و حكمة ، و قد شرع لتحصيل مصالح العباد في معاشهم ومعادهم . غير أن كثيرا من " الجهال" لا يدركون الحكمة من تشريع كثير من أحكام العبادات و المعاملات والحلال والحرام ، ويعملون عقولهم القاصرة تارة ، وأهواءهم الفاسدة تارة أخرى ، يريدون أن يبدلوا كلام الله ، ويغيروا أحكام الإسلام . يزعم أولئك "الأغمار" أن في حجاب المرأة " كتما لأنفاسها " ، وفي منعها من الاختلاط "حبسا لحريتها " ، وفي فرض القوامة عليها من محارمها " استعبادا لها "، وأنهم، هم، وحدهم، أنصار " قضيتها " ! ويزعمون أن للمرأة حق المساواة مع الرجل في كل شئون الحياة ، وأن لها حق المنافسة والعمل في كل ميدان ، وفي كل مكان ، وأنه لا تمييز ولا تفضيل للرجل عليها في شيئ ألبتة ! ونحن نقول للعقلاء منهم ( فقط ) : إن الله تعالى قد خص كلا من الصنفين بخصائص ، تميزه عن الآخر، في الفطرة والوظيفة، وفرض على الرجال فرائض ، وندبهم إلى أمور، خصهم بها دون النساء ، كالجهاد و الغزو ، والجمعة والجماعة ، واتباع الجنائز ، ونحو ذلك . وفرض على الرجال ، وخاصة الأزواج ، الإنفاق على النساء ، ولو كانت نساؤهم موسرات ، لأن طلب الرزق والمعاش لا يتأتى إلا بالضرب في الأرض ، والمشي في مناكبها ، وفيه مشقة ، ويتطلب الخروج والبروز ، وهو من خصائص الرجال ، بخلاف النساء ، فإنهن مأمورات بالقرار في البيوت ، والتستر والحجاب. ولهن وظائف ، لا يمكن أن يقوم بها الرجال ، كالحمل ، والإرضاع ، ورعاية الأطفال . فكيف يصلح بعد ذلك أن يتساوين مع الرجال في كل الوظائف والأعمال ؟ إن من يزعم أن من حقوق المرأة مساواتها بالرجل في كل شئون الحياة والمعاش ، دون أدنى تمييز بينهما ، يلزمه _ حتما _ أن يسوي بينهما في كل أحكام الشرع المتعلقة بالجهاد ، و حضور الجماعات ، وحقوق النفقة ، وغير ذلك من الأحكام والشرائع التي اختص بها الرجال ! كما يلزمه _ حتما _ أن يبدل أحكام الفطرة الإنسانية المتعلقة بالحيض والحمل والنفاس والإرضاع ، التي اختصت بالمرأة وحدها ، دون الرجل. إذ لا يصلح التسوية بين الطرفين في كل الأحكام ، مع وجود مثل تلك الفروق الخلقية بينهما ! ظلم المرأة والرجل أكثر الناعقين من "الجهال"، يقيسون المرأة على الرجل في الأحكام ، بقياس الشبه ، الذي هو من أفسد أنواع القياس ، فيزعمون أن اشتراكهما في النوع الإنساني ، وفي ( بعض ) الصفات الجبلية ، يقتضي اشتراكهما في ( كل ) سمات الحياة المعيشية ، ويتجاهلون _ قصدا _ وجود الفروق الخلقية والفطرية بينهما ، واختصاص كل منها بأحكام وحقوق شرعية ، فيقعون في نوعين من الظلم : 1 _ ظلم المرأة ، حيث يطلب منها مزاحمة الرجل في كل الميادين ، دون أدنى مراعاة لما قد تتعرض إليه من فتنة و أذى و"تحرش" ، ودون مراعاة أيضا لما جبلت عليه من رقة ونعومة ، و ضعف في البنية ، وما يعتريها من تغيرات نفسية وعقلية وبدنية ، وقت "عادتها الشهرية " ! ودون النظر إلى كونها مطالبة ، أيضا ، بالقيام بواجباتها الفطرية التي يستحيل ، أن ينوب عنها فيها غيرها ، كواجبات الزوجة و الأم . فمن الظلم لها حينئذ أن تكلف بأداء وظائفها الفطرية ، وحقوقها الشرعية في البيت ، ووظائفها المعيشية خارجه ، في آن واحد . 2 _ ظلم الرجل ، فإن مزاحمة المرأة له في كل ميدان ، تعرضه للفتن ،كما أنه قد تضيع عليه بعض حقوقه على زوجته "العاملة" ، وحقوق أولاده في الرضاعة و الرعاية ، وحنان الأم ، وعطفها . ثم إن تكافؤ فرص العمل بين الرجال والنساء ، على حد سواء ، مما يزيد في نسبة البطالة ، والرجل مكلف ، في شريعة الإسلام ، بالإنفاق على المرأة ، مهما بلغ عسره و يسرها ، فإذا ألزمناها بالمشاركة في النفقة خالفنا الشرع ، وإن ألزمناه وحده بها ، مع وجود تلك" المنافسة " على الوظائف ، التي تزيد " شحا " و ندرة يوما بعد يوم ، ظلمناه و كلفناه فوق طاقته . *وهؤلاء "التغريبيون" ، الذين ينعقون بما لا يفهمون ، لا يدركون أن تطبيق التجربة الغربية ، و النمط "الليبرالي" في المجتمعات الإسلامية ، لا يستقيم إلا بالانسلاخ الكلي من الشريعة ، لأن أحكام الشرع مترابطة متسقة ، لا يستقيم فصلها عن بعضها ، وإلا نتج عن ذلك اضطراب و تناقض في الأحكام ، وظلم وهضم لحقوق الأنام . كمال الشريعة إن قوانين الحياة والمعيشة في المجتمعات الغربية الحديثة ، تقوم على أسس و مبادئ متسقة ، بحسب التجربة البشرية الوضعية " القاصرة"، التي رأى واضعها ملاءمتها للحياة هناك ، فلا يستقيم _ عقلا _ أن تبتر موادها ، أو تستبدل بغيرها من القوانين البشرية الأخرى ، ( بصرف النظر عن الحكم الشرعي في تطبيق القوانين البشرية ) . فلا يصلح للمجتمع الأمريكي _ مثلا _ أن يحتكم إلى بعض القوانين الصينية ولا العكس ، لأنه سيتعارض _ حتما _ مع بقية القوانين الأخرى التي تخص كل مجتمع ، والتي تنتظم كلها في صياغة هويته التي تميزه عن سائر المجتمعات . فلا بد إذا من تطبيق القوانين بجملتها دون تبديل أو ترقيع . * و شريعة رب العباد ، بالأحرى ، لا يصلح أن تبدل ، ولا أن ترقع بغيرها ، فإنها كاملة في عدلها ، وصلاحها لكل زمان ومكان ، ويلزم أن تؤخذ جملة ، لا أن يؤمن ببعضها و يكفر ببعضها الآخر . * و لما حرم الله الفاحشة ، سد كل أبوابها و ذرائعها ، المفضية إليها : 1 _ فأمر بالمباعدة بين الرجال والنساء حتى في أطهر البقاع ، أثناء أداء الفرائض . 2 _ و أمر الرجال والنساء بغض البصر . 3 _ وخص النساء بالحجاب والقرار في البيوت ، إلا للحاجة ، لأن الغرض في التباعد بين الرجال والنساء ، يحصل بحجب أحدهما ، وإبعاده عن الآخر ، ولأن عمارة الأرض ونظام الحياة لا يستقيم لو أمر الطرف الآخر أيضا ، بالحجاب والقرار . *وفي المقابل ، فإنه قد فرضت جملة من الواجبات و الحقوق ، على من سمح له بالخروج و البروز . ففرض على الرجل الجهاد ، والرباط في الثغور ، و حضور الجماعات ، و السعي لطلب الرزق ، و الإنفاق على سكان البيوت ، وذوات الخدور .ورغب في الإنفاق على أهله ، حتى صار مقدما على الإنفاق في سبيل الله ، وفي سائر وجوه البر والطاعة . ففي الحديث " دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذي تنفقه على أهلك " . رواه مسلم [ 995 ] . *وقد كانت المجتمعات الجاهلية على مر العصور ، تستثقل الإنفاق على البنات ، و تتشاءم من ولادتهن . فجاءت الشريعة العادلة الكاملة ، و رغبت في إعالتهن ، وتربيتهن ، والصبر عليهن ، أعظم ترغيب . قال صلى الله عليه وسلم"من ابتلي من هذه البنات بشيئ ، فأحسن إليهن كن له سترا من النار " . متفق عليه . وقال "من عال جاريتين حتى تبلغا ،دخلت أنا وهو الجنة ، كهاتين " وأشار بأصبعيه . رواه مسلم [ 2631 ] والترمذي [ 1917 ] ، واللفظ له . وقال " من كان له ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو بنتان ، أو أختان ، فأحسن صحبتهن ، واتقى الله فيهن ، فله الجنة " . رواه أبوداود [ 5147 ] والترمذي [ 1913 ] . فانقلب التشاؤم والنفور ، من إعالة البنات والأخوات ، إلى تفاؤل ، واستبشار ، و سرور . ولم يزل يوصي بهن في كل حال ، أمهات و بنات و زوجات وأخوات ، حتى جعل صحبة الأم وبرها ، مقدما على صحبة الأب و بره . ومن هنا يتبين ضلال من يدعو إلى تطبيق النظام الغربي الجاهلي ( كله) ( أو بعضه ) ، في بلاد الإسلام ، فإن المرأة ، في القانون الغربي ، ملزمة بالإنفاق على نفسها ، كالرجل على حد سواء ، ولا يوجد قانون يفرض على الرجل الإنفاق عليها ، بخلاف المرأة في التشريع الإسلامي ، فإن على أوليائها فرض النفقة عليها ، فإن فقدوا ، أو عجزوا ، فرض لها من بيت المال ما يسد حاجتها . كما أن قانون حفظ الأنساب والأعراض عندهم منفلت ، ولهذا كان الاختلاط عندهم في كل ميادين الحياة مباحا ، بل مطلوبا . والمقصود : بيان تهافت دعاوى أولئك " الأغمار" ، الذين يريدون تطبيق التجربة الغربية في البلدان الإسلامية ، خاصة في الأمور التي تخص المرأة ، كالاختلاط ، ونحوه . المصدر http://saaid.net/Doat/samer/23.htm |