حقوق الحيوان


لقد بين الله في القرآن كثيرا من الآيات المتعلقة بالحيوان ، بل إن هناك سورةٌ اسمها سورة الأنعام ذكر فيها سبحانه بعض الأحكام المتعلقة بالحيوان وأكله،وبعض الممارسات الخاطئة نحوه التي كان الناس يفعلها قبل الإسلام،وبين سبحانه أن الحيوان ُأمةٌ من الأمم لها حياتُها وخصوصياتُها فقال سبحانه:

" وما من دابةٍ في الأرض لا طائرٌ يطيرُ بجناحيه إلا ُأممٌ أمثالُكُم"(الأنعام: 38 )

 

وفي هذا إشارة إلى رحمةِ الحيوانِ وعدم إيذائه أوتعذيبِهِ أوقتله من غير حاجة ولا مصلحة . أن هذا الحيوان شيءٌ محترمٌ ومحبوبٌ ولم يعتبرهُ مخلوقاً ذليلاً مستقذراً .

 

المحتويات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النظرة الإسلامية العامة للحيوان

قال سبحانه و تعالي:

" وما من دابةٍ في الأرض لا طائرٌ يطيرُ بجناحيه إلا ُأممٌ أمثالُكُم" (الأنعام: 38 )

 

وفي هذا إشارة إلى رحمةِ الحيوانِ وعدم إيذائه أوتعذيبِهِ أوقتله من غير حاجة ولا مصلحة . بل إن فيما سيأتي بيان أن هذا الحيوان شيءٌ محترمٌ ومحبوبٌ ولم يعتبرهُ مخلوقاً ذليلاً مستقذراً .

 

قال الله تعالى :"زُيّن للناس حُبُ الشهواتِ من النساءِ والبنين والقناطيِر المقنطرةِ من الذهبِ والفضةِ والخيلِ المُسومةِ والأنعامِ والحرثِ ذلك متاعُ الحياةِ الدنيا والله عِندهُ حُسنُ المئاب"( آل عمران: 14)


وظهر ذلك أيضاً في بعض الأحاديث التي تشبهُ الحيوان بالأمور المحبوبة للنفوس، مثاله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" يدخل الجنة أقوامٌ أفئدتُهم مثلُ أفئدةِ الطيرِ " ( مسلم: 7091)


والمراد بالفؤاد هنا هو القلب، قال النووي في شرح مسلم : قيل مِثلُها في رِقتِها وضعفِها.أه والإنسانُ ذو القلبِ الرقيقِ:طيبٌ ومحبوبٌ.

 

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنما نسمةُ المؤمنِ طائرٌ في شجرِ الجنةِ حتى يبعثه الله - عز وجل -إلى جسده يوم القيامة " ( النسائي: 2072)

قال السندي : المراد روحُ المؤمن الشهيد كما جاء في روايات الحديث (وقوله طائر ) ظاهره أن الروح تتَشكل وتتمثل بأمر الله تعالى طائراً كتمثل الملك بشراً، ويحتمل المراد: أن الروح تدخل في بدنِ طائرٍ كما في بعض الروايات (حاشية السندي على سُنن النسائي) .


فهذا ترغيب في الشهادة ومن ضمنه التشبيه بالطير ولو كان الطير الذي هو من الحيوانات شيئاً مكروهاً لما شبهه به .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الهِرة "إنها ليست بَنَجس ٍ إنها من الطوافين عليكم والطوافات (ابو داؤد: 75) .
أي أن الهرة نظيفةٌ في أصلِها وليس شعرُها أو لُعابُها بنجسين، وعلل ذلك بأنها من الحيوانات التي تدخل وتخرج بكثرةٍ على الناس في بيوتهم ودورهم .


وصحّ عن زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - السيدة عائشة رضي الله عنها أنه جيء إليها بهريسة فُوضِع عندها فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت - أي الهرة - أكلت -السيدة عائشة - من حيث أكلت الهرة وذكرت الحديث السابق ( ابو داؤد: 76) .

 

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - " يُصلي على راحلتِهِ نحو المشرق " (البخاري: 1099) والراحلة هي الدابة,وكان هذا في النافلة حين السفر، فالصلاة من أعظمِ العبادات والنبي - صلى الله عليه وسلم - أداها على ظهر الدابة .


فهذه الأحاديث وغيرها تدل أن الحيوان من الأشياء المألوفةِ لا نجسة ومنبوذة ، وهذا هو الأصل.  وهناك بعض التقيدات كالخنزير ولعاب الكلب فإنهما نجسان ومنبوذان .

 

الرحمة بالحيوان بالمحافظة على روحه وعدم جواز إزهاقها بلا سبب

لقد جاءت تعاليم الإسلام بالرفقِ بالحيوان فلم تُجوِزُ قتله لغير سبب أو مصلحة وهذا هو الأصل، لِما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك صراحةً ودلالةً .


أما التصريح: فقول ابن عباس رضي الله عنه : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتلِ كلّ ذي روح . (الجامع الصغير: 9502)
وأما الدلالة فعموم قوله قوله - صلى الله عليه وسلم - " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء "( ابو داؤد: 4941)

 

قال شارح عون المعبود:(الراحمون) أي لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالشفقة عليهم والإحسان إليهم .
إذن لا يجوز قتلُ الحيوانِ لمجردِ اللهوِ واللعبِ والعبثِ،وحتى الصيد بالبندقية إن لم يكن من أجلِ الأكلِ فهو محرمٌ ، وكذلك الصيد بما يُسمى [النباطة أو النبلة] فإنه محرمٌ ، وإن كان ذلك من أجلِ الصيدِ، لأنه يُشترطُ في أداة الصيد : أن تخزِقُ الفريسة وتنفُذُ فيها ،دليل ذلك هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما سأله عدِيِ بن حاتم رضي الله عنه عن الصيدِ بالمِعراض[وهي عصاً في طرفِها حديدة غير مسنونة وقد تكون بغير حديدة، فهي لاتخزقُ]فقال - صلى الله عليه وسلم - :" إذا رميت بالمِعراض فخزق،فكُلهُ ،وإن أصابهُ بعرضِه فلا تأكُلهُ "( البخاري: 5477 ومسلم: 4949 واللفظ له )

 

جواز الانتفاع بالحيوان والتغذي به

جعل الله سبحانه و تعالى الإنسان معمراً للأرض قال تعالى " وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قومِ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرضِ واستعمركُم فيها "( هود:61) .

 

قال ابن كثير في تفسيره " أي جعلكم عُماراً تعمرونها وتستغلونها "


فالإنسان هو المعمر والسماواتُ والأرضُ سُخِرتا من أجله، قال تعالى: " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه " ( الجاثية: 13) .

 

الرحمة في الذبح

ومن رحمة الشرع ورأفته أنه قيد هذا الذبح وضبطه بضوابط تجعله أخف ألماً للحيوان بقدر الإمكان وأكد الإسلام هذا بأصلٍ عامٍ وهو قوله تعالى " وأحِسنوا إن الله ’يحبُ الُمُحسنين "(البقرة:195)

 

وأكده بأصل خاص وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " والشاة إن رحِمتها رحِمك الله " مرتين (صحيح الجامع : 7055) .


وقوله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإن قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح " ( مسلم: 5028) .

 

وقال أيضا " من رحِم- ولو ذبيحة عصفورٍ - رحِمه الله يوم القيامة " (الصحيحة: 27).

 

الرحمة في المعاملة

رحم الإسلام الحيوان رحمةً ماديةً ومعنويةً وحرِص على عدم إيذائه خاصةً عند انتفاءِ المصلحة . وكانت هذه الرحمةُ نابعةً من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقواله .


أما السيرة فقول الصحابي الجليل ابن مسعود : ُكنا في سفرٍ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " فأنطلق لحاجةٍ فرأينا حُمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمّرة فجعلت تُفرِشُ، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال " من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها " (ابو داؤد: 5268) .


ومن سيرته أيضاً أنه - صلى الله عليه وسلم - " دخل حائطاً لرجلٍ من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حنّ وذرفت عيناه فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فمسح ذفراه فسكت ... ( فقال لصاحب الجمل) :" أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي انك ُتجيعُهُ وُتدئِبُهُ " (ابو داؤد: 2549) .

 

الرحمة بتحريم التعذيب

إن تحريم تعذيبِ الحيوانِ يُفهم من تعاليم الإسلام بوضوحٍ وصراحة ويؤخذ ذلك من الأمر برحمة هذا الحيوان وعدم تجويعه وإتعابه كما سبق والأمر بالشيء نهيٌ عند ضده فهو لما أمرنا برحمته فهو ينهانا عن تعذيبه، كما أن الأمر بالإيمان يتضمن النهي عن الكفر . ويؤخذ أيضاً - تحريم التعذيب- من أحاديث صرحت بتحريم صور من التعذيب وهذه الصور التي سنذكرها يُقاس عليها غيرها من مثلها في المعنى .

1- ... صبرُ الحيوانِ: أي أن يُحبس وهو حي ويُتخذ هدفاً يُرمى. وفي تحريم هذا نصوص عدة منها نص عام وهو قوله تعالى " ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " ( البقرة:190 )

ونص خاص وهو أن ابن عمر رضي الله عنه مر " بنفرٍ نصبوا دجاجةً يرمونها فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها وقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ أن النبي " لعن من فعل هذا " ( البخاري 5515 ومسلم 5034)

واللعن يدل على التحريم بل يدل على أنها كبيرة . وقال - صلى الله عليه وسلم - " لا تتخذوا شيئاً فيه روحٌ غرضاً " ( مسلم 5032) .

2 - التمثيلُ بالحيوانِ :هو ما يُفعل بالحيوان الحي من تشويه ، كقطعِ بعض أطرافِهِ وغير ذلك
وهذا محرم ، نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه (البخاري:5516) بل ولعن صاحبه ، قال ابن عمر رضي الله عنه : " لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من مثل بالحيوان "(البخاري:5515،في المتابعات)

 

3- الخِصاءُ أي إخصاء الحيوان برض خصيته أو قطع ذكره أو بإعطائه من الأدوية ما يجعله خصي لا يمكنه التناسل. قال ابن عمر: " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خِصاءِ الخيل والبهائم " ( حم 4769.ص ج 6956) .

4- ... وسمُ الوجهِ أو ضربهِ : الوسمُ أصله من السمةِ وهي العلامة، والمراد هنا جعلُ علامةٍ في الوجه بالكي أو الجرح وما أشبه ذلك .


وهذا محرم بدليل " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه حمارٌ قد وُسِم في وجهه فقال " لعن الله الذي وسمه " ( مسلم: 5518) .

5- ... لعنُ الحيوانِ والدعاءُ عليه، فالدعاء عليه طلبٌ للضُرِ له وقد يستجيب الله هذا الدعاء فيتأذى الحيوان بذلك، وهذا منهي عنه لِما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان " في بعض أسفاره وامرأةٌ من الأنصار على ناقةٍ ، فتضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال " خُذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة " ( مسلم: 6547) وفي رواية " لا أيمُ الله لا تصاحبُنا راحلةٌ عليها لعنة من الله " ( مسلم: 6550) .


6- ... التحريشُ بين البهائمِ ِ:وهو أن يُجعل حيوانين في حلبةٍ ليتقاتلا كالكلاب والديكة ، فهذا محرم ولا ريب في ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تعذيب الدابة وقتلها بلا سبب وهنا ستُعذِبُ إحدى الدابتين الأخرى وتقتلها في النهاية غالباً، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن إتعاب الحيوان وهنا سوف يتعب بلا فائدة بل لمجرد اللهو والعبث وفيه أيضاً إضاعة للمال - أي البهيمة- المقتولة ، وما يصحبُ ذلك من مراهنات وضياع للأموال .
وللتنبيه: ورد في التحريش بين البهائم حديثٌ ضعيفٌ. قال ابن عباس : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التحريش بين البهائم " ( ض د 2562 ) ويكفينا ما سبق لتحريمه .

7- ... ما ’يسمى اليوم (مصارعة الثيران ) وفيه يدخل ثورٌ قويٌ ورجلٌ فاسقٌ في حلبةٍ كبيرةٍ ومع هذا الرجل رماحٌ وسكاكين، ويقوم هذا الرجل على استثارة هذا الثور بالركض والمراوغة وتحريك ثوب أحمر وبينما الثور ُيهاجِمه يقوم الفاسقُ بطعنِِه وهكذا حتى ينهك هذا الثور ويتصببُ دماً فيُعطيه هذا الظالم الضربة القاضية بسكين في رأسه فيسقط .
وأي رياضة هذه يرضاها عاقل رزين ولكنه الهوى واتباعه من غير معيارٍ وحدودٍ ، وقسوة القلب، ولا حاجة في التكلم في تحريم هذا التعذيب فهو ظاهر

و ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله بعض صور التعذيب التي ’تستخدم في هذه الأيام منها : نتفُ ريشِ الدجاجِ والطيور هي حية أو تغطيسها في الماء شديد الحرارة وهي حية أو تسليط البخار عليها لإزالة الريش زاعمين أنه أرفقُ بما ُيرادُ ذبحه من الحيوان .. وهذا فيه من التعذيب ما لا يخفى مخالفته لنصوص الأمر بالإحسان إليه .. . ( مجموع فتاوى الشيخ ابن باز: 3/1179 )

 

المصادر

الكتاب : إرشاد الأنام لما جاء في الإسلام من حقوق ورحمة بالحيوان

المؤلف : الحارث بن زيدان المزيدي

 

 

2460 مشاهدات
أصلحنا أو أصلح نفسك
.
تعليقات
الصفحة أعلى